كانت دائماً تشعر بالعجز ، إنه ذلك الاحتراق البطيء الذي يبدأ بأطراف
الأصابع ، إنه احتراق بلا معنى أو سبب ، إنه عاصف بحيث لا يُورث إلا الدّخان .
كانت تسد آذانها عنهم ، كانت لا تجرؤ على النظر في
أعينهم ، كانت تشعر بأن كل الأصابع تشير إليها بسخرية مريرة ، تلك السخرية التي لا
تؤدي إلا إلى نتيجة واحدة حتميّة وهي بأن تجعل من قلبها المحترق رماداً يتطاير في
سماء العمر . كم تمنّت لو أن رماد قلبها المحترق يصل إلى أعينهم فلا يعاودون
رؤيتها .
واجهتهم بكل وحشيتهم ، بإرادة شجاعة لأنها كانت تأبى أن
يعيثوا في روحها فسادا ، لكنها كانت واحدة ضد كثيرين قتلوا فيها براءتها وعنفوانها
، قتلوها طعنة تلو طعنة ، أمنية تلو الأخرى ، ببطء شديد ليستمتعوا أكثر .
كانت تنفق الكثير من الحذر بسخاء خوفاً أن تهوي بالحفرة
وهي تكره الحفر والظلام ، كان لا بد أن تتسلق جدار العمر بهمّة أكبر حتى لا تسقط
في الهاوية ، حتى لا تعاود سياط ألسنتهم اللاذعة على جلد كرامتها وعزّتها
وعنفوانها وبراءتها ، كان عليها أن تجاهد كثيراً لتفادي سهام نظراتهم .
كانت في كلّ مرة تعقد صفقة مع قلبها لتقنعه بأن يجد
متّسعاً جديد لخيبة واحدة جديدة فقط ، لأنها اعتادت خداع قلبها في كل مرّة بأن ليس
ثمّة حزناً جديداً قادم وبأنها وبالرّغم من جميع الانكسارات فهي لازالت بخير .
هي كانت تدلّل حزنها جدّاً حد السّخرية ، وكانت تنظر في
مرآتها وتبتسم ابتسامة ساذجة تخبر بها انعكاس خيباتها الظاهرة في ملامح وجهها
بأنها لا زالت تملك من القوة الكثير . كان يكفي أن تلبس فستاناً جديداً فتنظر إلى
نفسها بالمرآة فتبتسم ثم تلمع عيناها فتصمت.
كل الانكسارات والخيبات في روحها والتي جعلت منها انسانة
هشّة بدأت بالشّفاء ، ذلك لأنها قررت أن تنسف كل خيباتها السابقة وتمضي ، ذلك لأن
أحد الأصدقاء الذين أرسلهم القدر همس يوماً في أذنها وقال : (إنّ الله إذا أحب
عبداً ابتلاه) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق