" هي تعلّمت أن ثمّة أشخاص يسحبونها إلى الدرك الأسفل من الشعور وأن في كل انقباضة من انقباضات قلبها الصغير ثمّة شيء من التعب المُبتذل"
إنها تلك التفاصيل النورانيّة التي تشكل عمرنا الذي يمضي وسط زخم كثير من الوجوه الغريبة ، منها ما يُسبب الخوف المقيت ، ومنها ما أفقدنا لذّة النظر إليها حين غادر .
هي لم تختر الظلام بمحض إرادتها ، هم أوهموها بأنها تراهم جيداً وبوضوح وأخبروها بكل تفاصيلهم الموجعة حتى باتت سكناً لهم ، وحتى باتت تُدرك الجزء الأكبرمن انسانيتهم المُتألمة ، وكانت في كل مرة يأتون إليها متألمين ، كانت تجبِر روحها أن تكون قادرة على الانقسام وخلق مساحة جديدة في داخلها لهم لتكون برداً وسلاماً على أوجاعهم . ذلك لأنها كانت تُهاود قلوبهم المتعبة بكومة من المشاعر الصادقة وبعطف وتعاطُف لا نهاية له .
هي لم تكن سوى فاقدة للبصر ليس أكثر ، هي لم تكن سوى أكثر طيبة منهم ليس أكثر ، هي غابت عنها حقيقة مؤكّدة عن الحياة وهي أنّ الذين نُفرِط في محبتهم ونحن مغمضي الأعين ، هم أكثر من يجعلنا نتهواى .
لم تكن تدرك أنها ليست إلا ملجأ لهم يهربون إليه في حال اشتدّت معاركهم ، ولم تكن تدرك بأن وجودها في حياتهم لم يكن سوى ضباب سيزول ما إن تشرق شمسهم من جديد ، وأنّ جميع الانحناءات المُحبّبة التي رسمتها على أرواحهم ووجوههم ليس لها فيها نصيب .
ولّدوا لديها غصّة كبيرة داخل روحها تعجز عن ابتلاعها وذاكرة ضبابية هشّة فقدت رؤيتهم فيها بالشكل اللائق الذي كانوا عليه .
هي تبتسم ابتسامة عريضة بينهم ، ربما لأنها لا تزال تملك في قلبها الصغير شيئاً ثميناً لا يدركونه ، بعيداً عن أياديهم العابثة ، حتى أنهم لا يستطيعون سماع صوته حين يبدأ العزف على أوتار حياتها البائسة .
تلك الصبيّة لمّا أفاقت من غيبوبة العطاء اللّامتناهي وجدت نفسها عمياء تعجز عن رؤيتهم .
تلك الصبيّة أخفت ملامح الدهشة التي ارتسمت على وجهها وقررت أن تعود لإغماض عينيها عن ملامحهم المخيفة وأن تستكمل العطاء ، لكن هذه المرة بإرادتها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق